اقلام حرة

أسباب التألق المغربي في المونديال… النية ..القضية الوطنية ..و أشياء اخرى

أسباب التألق المغربي في المونديال... النية ..القضية الوطنية ..و أشياء اخرى

أنفاس بريس 24: د محمد أبلاغ

في الأسباب الموضوعية للتألق المغربي في المونديال، بعيدا عن الشطحات الفلسفية، في تفسير مفهوم “النية”:
قرأت في مجلة هسبريس مقالا للأستاذ عبد السلام بن عبد العالي، واستغربت كثيرا للطريقة التي تحدث بها عن التألق المغربي في المونديال رابطا بين مقومات مجتمع الفرجة والحداثة التي تتعلق في الواقع بتطور الذهنيات وكرة القدم بينما في الواقع لا علاقة بين مجتمع الفرجة وكرة القدم.
والظاهر أن الفلسفة اليوم لا تعبر سوى عن عجزها عن مواكبة تطور المجتمع نفسه، مما يجعل الطلبة اليوم يفضلون عليها مجالات العلوم الإنسانية من علم اجتماع وانثروبولوجيا وعلم النفس. فالفلسفة اليوم إما أن تسقط في السطحية عند البعض أو الاسقاط الذي لا أساس نظري له، وكثيرا ما يتم التخلي عن التحليل الموضوعي النافع لفهم ظاهرة اجتماعية معينة، وذلك لمواكبة المجتمع والترقي بقضاياه إلى المستوى النظري المجرد، لصالح التفلسف والشطحات الفلسفية، يتم فيه التخلي عن التفسير الموضوعي الأقرب إلى الوقع المجتمعي.
فكيف نفسر تألق المنتخب المغربي تفسيرا موضوعيا، يكون نافعا للمجالات الأخرى الأهم وعلى رأسها قضايا الشباب في مغرب اليوم.
عندما كنت طالبا كان الفكر الماركسي الأرثودوكسي هو الطاغي في التحليل، وهو فكر يرى بطبيعة الحال أن البنية الفوقية ما هي إلا انعكاس للبنية التحية، بمعنى أنه كلما كان الاقتصاد ( البنية التحتية) متقدما، إلا وكان الفكر متقدما، ويلزم عنه أن المجتمعات المتخلفة اقتصادية يكون فكرها بالضرورة متخلفا. إلا أنه كان هناك علم من كبار الأعلام المسلمين كان يزعج كثيرا الذين تبنوا التحليل الماركسي في دراسة التراث العربي الإسلامي،وهو ابن خلدون.
فابن خلدون جاء في عصر انحطاط في الشرق والغرب الإسلامي معا على جميع المستويات، ومع ذلك وبالمقارنة مع كل من سبقوه، هو الأكثر ابداعا وعمقا من بين كل الأعلام، بل هو المؤسس لعلم العمران، وكان على وعي تام بأنه هو مؤسسه وأنه لم يسبقه إليه أحد.
لذلك كثيرا ما كان يتم ترديد ـ للإبقاء على تماسك تفسير الفكر الماركسي للتاريخ ـ القول بالاستقلالية النسبية للفكر عن الواقع، وأن واقعا متخلفا قد ينتج فكرا متقدما، وبذلك اعتبر ابن خلدون فلتة من فلتات العصر وإعجازا، كما ان البعض يقول اليوم أن ما حققه المنتخب المغربي ليس انجازا فحسب بل هو إعجاز، بالرغم من معرفتنا أن عهد المعجزات قد ولى وانتهى، ونعرف أنه على المستوى الفكري الفكر القوي على المستوى الغائي لا بد أن يتسلح بآليات قوية، وباكتشاف الدور الذي لعبته المدرسة الرياضية لابن البنا، انكشف الغطاء على أسباب قوة فكر ابن خلدون وأسباب اكتشافه لعلم جديد سماه علم العمران، وبذلك فهناك عوامل موضوعية ـ لا سبيل لتحليلها هنا ـ هي السبب في قوة فكر ابن خلدون.
لذلك استغرب عندما لا يبحث المهتمون بالشأن الفلسفي لجعله مؤثرا وفاعلا في المجتمع في الأسباب الموضوعية لأي نجاح أو إخفاق. فلا يمكن اعتبار “البركة” و”النية” مفاهيم فلسفية يجب التنظير لها، وإلا أصبح الفكر العامي هو الذي ينظر للفكر العالم لا العكس، ومجتمع الفرجة لا يليق بالكرة التي لها تاريخ ومنطق مرتبط بتطور المجتمعات البشرية على المستوى الرياضي (الرياضة البدنية)، فهي ليست مسرحا ولا حلقة من حلقات الثقافة الشعبية لجامع الفنا.
فما هي الأسباب الموضوعية للتألق المغربي في المونديال الحالي؟
لن اقف عند الأسباب الكروية فأهل مكة أدرى بشعابها كما يقال، انما سأركز على الجانب الموضوعي الذي في جانب كبير منه مرتبط بقضيتنا الوطنية الكبرى قضية الصحراء المغربية، وبيانه ما يلي:
في الثمانينات والتسعينات كانت السياسة المتبعة من قبل المغرب هي الخروج من منظمة الوحدة الافريقية لاعترافها بجمهورية الوهم بسبب ضغوطات النظام الجزائري، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع كل الدول الافريقية التي تقيم علاقات معها. في العقدين الأول والثاني من القرن 21م تغيرت السياسة المغربية بشكل كامل اتجاه افريقيا، ولكن المهم بالنسبة لنا أن هذا التغير كان تغيرا شاملا مبنيا على تصور سياسي واضح. فكانت الزيارات المتعددة للملك محمد السادس لإفريقيا كان أساسها التعاون الاقتصادي، وهناك أيضا الحضور القوي للمؤسسات المالية والاقتصادية المغربية في افريقيا، وعلى المستوى الديبلوماسي القطع مع سياسة المقعد الفارغ وتبني سياسة مغايرة وهي الرجوع إلى الاتحاد الافريقي للدفاع عن قضيتنا الأولى من داخل الاتحاد الافريقي وليس من خارجه، وكان لابد إلى جانب الديبلوماسية الرسمية تبني ديبلوماسية شعبية للتقارب مع الشعوب الافريقية أيضا، وبطبيعة الحال ليس هناك مجال افضل من كرة القدم للتقريب بين الشعوب، لذلك كان تبني سياسة واضحة في هذا المجال، فعادت الفرق الوطنية للتباري على المستوى الافريقي حاصدة للألقاب، وتم الاهتمام بجميع الفئات وكرة القدم النسوية وكرة القدم للصالات. اما اهم قرار اتخذ والذي سيكون له اكبر الأثر على الحضور العالمي للمغرب على مستوى كرة القدم، فهو تأسيس اكاديمية محمد السادس لكرة القدم، لأن هذه هي سياسة الدول الكبرى كالبرازيل والأرجنتين وفرنسا، وهو التكوين داخل الوطن ثم تسويق اللاعبين للعب في البطولات العالمية، وبعدها عند العودة للمنتخب التكلم بلغة كروية واحدة مدعمة بالتجربة التي يحصل عليها اللاعبون في الأندية الأوروبية الكبرى. فقبل تأسيس اكاديمية محمد السادس لكرة القدم، كان يتم التقاط اللاعبين من مدارس كروية مختلفة، لا يتواصلون حتى على المستوى اللغوي، فهناك من يتكلم الألمانية وآخر يتكلم الهولاندية أو الإيطالية او غيرها مما لا يجعل منهم فريقا متجانسا. اما بعد تأسيس الأكاديمية فالأغلبية تتكلم نفس اللغة كعائلة واحدة، ثم ينسجم معهم الآخرون، والكل يعيد التواصل مع جذوره الأصلية فيتعلم ” تمغربيت” من جديد، ثم يقاتل بعدها من أجل بلده، ولعل أحسن نموذج هو أشرف حكيمي الذي مع تعلمه للايطالية والألمانية والفرنسية والاسبانية وهي الدول التي لعب لفرقها، يكافح لتعلم الدارجة المغربية بشكل يثير الاعجاب والابتسامة أيضا.
ما هي أهمية التفسير الموضوعي للتألق؟
بعيدا عن الشطحات الفلسفية التفسير الموضوعي يبين بما لا يدع الشك انه كما ان هناك إرادة سياسية قوية للنهوض بكرة القدم فأعطت نتائج باهرة لأنها جعلتها جزءا من سياسة الدولة فالمسؤول عن قطاع كرة القدم له مهام سياسية كذلك، يلزم عنه انه ان كانت هناك إرادة سياسية قوية للنهوض باي مجال من المجالات الأخرى سيعطي بالتأكيد نتائج باهرة.
فالشعب المغربي شعب عظيم بتاريخ عظيم، بأكاديمية واحدة قارع فرنسا التي لها 40 اكاديمية كروية، والعبقرية المغربية واضحة في شتى المجالات فواضع تلقيح كورونا منصف السلاوي مغربي ومخترع بطارية السيارات الكهربائية اليزمي مغربي، فماذا لو تحولت هذه العبقرية الفردية إلى عمل جماعي منظم، ماذا لو تحولت المدرسة العمومية في المغرب كلها إلى أكاديميات لها من الإمكانيات ما به تنشر العلم والمعرفة وتكوين الأبطال في جميع الأصناف الرياضية. فهذا هو الدرس الذي يجب ان نستفيده من هذا الابداع المغربي الذي جعل الشعب كل الشعب يفرح لإنجازات أبنائنا ويحزن حين الانهزام.
اما النية والبركة ومجتمع الفرجة وكل ما له علاقة بالثقافة الشعبية فيجب ان يترك لمجاله الخاص أي المجال الانثروبولوجي، حتى لا ننشر الجهل ظانين اننا ننشر العلم. ففي الأمثال الشعبية الصانعة للمخيال الشعبي هناك الأمثال التي من الواجب الاحتفاظ بها لأنها تسير بنا إلى الأمام ك ” اللي دارها بيديه يفكها بسنيه” التي تعلمنا ان يتحمل الفرد مسؤولية اعماله، لأن التحمل الذاتي لأفعالنا هو الأساس الأول للحداثة. او ” اللي ما تقتل تسمن” التي هي التعبير العامي لقولة نيتشه الشهيرة ” ما لا يقتلك يجعلك أكثر قوة” التي تعني ان الانسان عليه ان يغامر في الحياة لا الركون إلى منطقة الراحة، والمثل المغربي ” مائة تخميمة وتخميمة ولا ضربة المقص” التي تعني ان الانسان عليه ان يقوم بالتفكير الطويل قبل الاقدام على أية خطوة في الحياة.
أما الأمثال التي تدفع بالمخيال الشعبي إلى تكريس المزيد من التخلف والجهل والتي يجب التخلي عنها نهائيا فكمثل ” اللي بغا يربح العام طويل” الداعية للكسل والدعة، و”تفوتني وتضرب فين ما بغات” التي تعبر عن الأنانية المطلقة، ومنها أيضا هذا المثل الذي يحاول “فلاسفة المغرب” التنظير له وهو المتعلق بالنية. فالمثل بالكامل يقول: ” دير النية ونعس مع الحية” التي تعبر عن الاستقالة التامة للعقل، لأنه يمكن اعتبارها التفسير العامي المتخلف للجبر والاختيار الأشعري. فما لا يعرفه هؤلاء ان كثيرا من المطاعم هنا في القنيطرة يكتبون فوق قوائم الطعام دير النية، التي ان تم الاعتماد عليها بدون شروط النظافة اكيد سيجد الانسان نفسه في المستشفى بعد أكلها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى