أنفاس بريس 24: بقلم: ذ الادريسي الخمليشي منصف
في شوارع سلا، ولا سيما أحياء الانبعاث وواد الرمان، تتجول خيوط شبكة صامتة تُسَوِّق لمخدرٍ ليس كباقي المخدرات. اسمه “المعجون”، لكن أثره أعمق بكثير من مجرد خلطة عابرة. إنه سلاح خفي دمّر عائلات، وزجّ بشباب في هاوية الجنون والضياع، وأدخل مستشفى الرازي في حالة من الاكتظاظ المستمر. المفارقة أن هذا المخدر الرخيص لا يُعتبر رسميًا ضمن خانة “المخدرات الصلبة”، فيما يتعامل معه بعض الباعة وكأنه مجرد مقوٍّ غذائي. والنتيجة: أطفال وفتيان لم يتجاوزوا الخامسة عشرة يسقطون في فخ الإدمان، وآباء وأمهات يجدون أسرهم تتفكك تحت وطأة “البليّة”. صناعة “المعجون” نفسها تحمل رمزية قاتمة: من المقيلة والبوطة الصغيرة، إلى زواج أبدي مع مشروبات وردية معروفة. والمنتوج النهائي ليس سوى وصفة لتخريب العقول، ودفع الشباب للتخلي عن أحلامهم ومسؤولياتهم. بل إن بعضهم يبوح بجرأة مؤلمة: “أنا مبلي… ما عندي ما ندير.” الأسئلة المطروحة اليوم لا يمكن تجاوزها: من يحمي بارونات هذا السمّ؟ كيف تتحول أحياء شعبية إلى مختبرات مفتوحة لإنتاج المجانين الجدد؟ وأين هي الحراسة المشددة في عاصمة البلاد التي تُعتبر مركز صناعة القرار السياسي؟ الخطر لا يقف عند حدود الصحة العقلية. الظاهرة مرشحة لأن تنتج أجيالاً كاملة من الشباب العاجزين عن تحمّل المسؤولية الأسرية، غير القادرين على العمل أو الاستمرار في الحياة، ما يفتح الباب واسعًا أمام موجة جديدة من العنف والجريمة. لهذا، فإن المسؤولية اليوم تقع على عاتق السلطات المحلية والأمنية والمنتخبة. ونداؤنا موجه مباشرة إلى: السيد محمد اليعقوبي، والي جهة الرباط سلا القنيطرة السيد عمر التويمي، عامل عمالة سلا السيد رشيد العبدي، رئيس الجهة السيد عمر السنتيسي، رئيس جماعة سلا السيد يوسف بلحاج، والي أمن سلا السيد مصطفى السالمي، رئيس مجلس مقاطعة تابريكت من أجل التحرك العاجل وإطلاق حملة واسعة النطاق لمحاربة تجارة وترويج “المعجون”. فالأمر لم يعد مجرد إدمان فردي، بل أزمة تهدد الأمن العام ومستقبل المدينة. التاريخ لن يرحم أي تقصير، وأجيال الغد تستحق مدينة تحمي عقولها قبل جسدها.
أضف تعليق