اقلام حرة

زهور تموت قبل الربيع

أنفاس بريس 24:  بقلم: جهاد الساخي

“عبد الحق”..طالب جامعي بسلك الماستر شعبة اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ظهر المهراز بفاس.. مجتهد..متوفق على أقرانه، بشوش يحب المساعدة ويبادر إليها.. مفعم بالحياة و الأمل..لكن مسحة من الحزن -تزاحمها نظرة من الإصرار- كانت لا تفارق مُحياه.. عاش هذا الشاب يتيم الأبوين، فقيرا معدما يكابد قسوة الحياة.. يكافح من أجل الوصول إلى حلمه بالنجاح في مباراة التعليم..لقد كان هذا أقصى ماتمناه وسعى إليه بجهدٍ جهيد وتعب شديد.. حُرِم المنحة الطلابية، ولم يجد عملا يعينه على تحمل نفقات الكراء والمأكل ومصاريف الدراسة، فكان يعمل عملا لا يكفيه حتى لسد جوعه، فعانى المرض و التشرد.. ولطالما كانت شوارع مدينة فاس القارسة البرودة في ليالي الشتاء ملجأه في كثير من الأحيان، ومع ذلك ظل صابرا مكافحا يحلم باليوم الذي سيصبح فيه أستاذا وتنقضي معه معاناته..إلا أنّ ذلك اليوم لم يأت، إذ كان يجتاز الامتحان الكتابي لمباراة التعاقد لسنوات متتالية، لكنه يرسب بالشفوي في كل مرة.. تراكمت خيبات الأمل في قلبه الفتيّ، فسببت له مرضا نفسيا مزمنا..وصار يعاني في صمت وحيدا لا يُؤبه له..لا يَلوي على أحد ولا يلوي أحد عليه..لم يجد في دربه من ينتشله من براثن بؤسه، أو حتى من يخفف عنه أساه..
ظلّ على تلك الحال مدة من الزمن..إلى أن وصلني خبر وفاته أمس، متأثرا بظروف عيشه القاسية…
زهرة تفتحت..لكنها ماتت قبل الربيع.
أسأل الله تعالى أن يرحمه رحمة واسعة ويحسن إليه، وأن يعوضه سبحانه في دار المقام، ويأخذ حقه ممن كانوا سببا في قهره و ظلمه..و أن يعوِّض على ملايين من “عبد الحق” ما حرموا منه من حياة كريمة..حسبنا الله ونعم الوكيل، و إنا لله وإنا أليه راجعون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى