اقلام حرة

اتجاهات حديثة في إدارة الصراع داخل المنظمات المعاصرة

اتجاهات حديثة في إدارة الصراع داخل المنظمات المعاصرة

أنفاس بريس 24: محمد جناي

تعد المنظمات تجمعات إنسانية إجتماعية تسعى لتحقيق أهداف معينة وتستخدم من أجل بلوغ تلك الأهداف جميع الإمكانات البشرية والمادية المتاحة لها، وخلال ممارستها للأعمال المختلفة التي تقوم بها يحدث فيها صراع وتفاعلات اجتماعية وسلوكية متعددة سببها التناقضات والاختلافات في أهداف ومدارك الأفراد العاملين وقيمهم ومعتقداتهم أحيانا وفي بعض الحالات يكون سبب اختلاف الأفراد في المهام الموكولة إليهم .

الصراع يحدث بسبب اختلاف الأهداف والميول والرغبات والاستجابات داخل الفرد أو بين اثنين أو أكثر من الأفراد،وإن استمرار الصراع ودرجة العنف فيه تعتمد على حدة التناقض والاختلاف بين الرغبات والأهداف والاستراتيجيات والقيم والمعتقدات لذلك نجد أن هناك صراعات بسيطة تنتهي خلال فترة قصيرة عندما تعود أسبابها إلى اختلافات وتناقضات بسيطة، كما يمكن أن نجد هناك صراعا حادا وعنيفا ومدمرا تستمر لمدة طويلة عندما تكون مسبباته اختلافات وتناقضات في الاستراتيجيات والإيديولوجيات .

يمكن القول وبأكثر تفصيل أن الصراع يحدث في المنظمات نتيجة لواحد أو أكثر الأسباب الآتية :

الأول : يحدث الصراع بين أقسام المنظمة عندما يكون كل قسم من تلك الأقسام ساعيا لتحقيق الأهداف المناطة به حتى لو كان ذلك على حساب الأقسام الأخرى ،فمثلا نجد في وزارة التعليم أن مصلحة تدبير الموارد البشرية كوحدة إدارية في صراع مع مصلحة الشؤون التربوية وذلك لأن مصلحة تدبير الموارد البشرية تحاول توزيع الموظفين بمنطق المتوفر والأولويات وتتحجج بقلة المناصب المالية المحدثة ولو على حساب الاكتظاظ والاستقرار الاجتماعي للموظفين في حين نجد أن مصلحة الشؤون التربوية تسعى إلى التقيد بالمذكرات الوزارية في شأن عدد المتعلمين المسموح به داخل الفصول الدراسية وكذا مردودية الموظفين في الوقت نفسه ولذلك نجد صراعا فيما بينهما سببه اختلاف الأهداف..

الثاني : يظهر الصراع بين الموظفين بسبب اختلافهم في القيم والعادات والسلوك ووجهات النظر، حيث ينظر كل فرد منه.بطريقة مختلفة إلى المشكلات التي يواجهها والطرق التي يمكن أن يستخدمها في تحقيق أهدافه بشكل يختلف عن الآخرين وسبب هذا الاختلاف يعود إلى اختلاف الأفراد في مستواهم الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي واختلاف حاجاتهم ورغباتهم تبعا للعمر والجنس والخبرة ، كما أن الأفراد يختلفون من حيث درجة المرونة في المواقف فهناك بعض من الأفراد يتعصب لأفكاره ويعتقد بأنه هو الصحيح وأن الآخرين على خطأ ولذلك نجده يصر على آرائه أو الأساليب التي يستخدمها في حين نعلم أن التعصب للأفكار والمبادئ بشكل مطلق يؤدي إلى حدوث الصراع.

الثالث: تظهر الحاجة إلى التخصص واستحداث مصالح إضافية تؤدي كل منها عملا محددا عندما يكون النشاط الذي تقوم به المنظمة كبيرا ومتنوعا ومن أجل أن تقوم المصالح بواجباتها لابد من تنسيق الأنشطة والجهود والأعمال التي تمارسها تلك المصلحة بحيث نكون كل مصلحة في المنظمة على علم بما تؤديه المصالح الأخرى ولذلك فإن عدم التنسيق يكون سببا في حدوث الصراع والاختلافات بينها، ولذلك فإذا لم يكن التنسيق بالمستوى المطلوب ازداد الصراع والخلافات بين هذه الوحدات الإدارية الصغرى التي يتألف منها الهيكل التنظيمي للمنظمة ولابد من التوكيد بأن مشكلة التنسيق تكون معقدة في المنظمات الكبيرة التي يعمل فيها العديد من الأفراد.

الرابع: أصبح الصراع يحدث في المنظمات نتيجة للتطور العلمي والتقني الكبير والسريع الذي يشهده العالم ، خاصة عندما تكون فيها مجموعة من الأفراد العاملين يؤمنون بأهمية التغيير والتطوير ويعملون من أجله وفي الوقت نفسه تكون فيها مجموعة أخرى تقاوم التغيير وتعتقد أن التغيير سيؤثر في مستقبلها الوظيفي والمادي والاجتماعي.

الخامس : يظهر الصراع في المنظمات عندما يكون لدى الرؤوساء والمسؤولين رغبة التسلط والسيطرة على المرؤوسين ولا يمارسون الأساليب الديمقراطية في الإدارة واتخاذ القرارات، والمفروض أن تكون العلاقة بين الرؤوساء والمرؤوسين قائمة على أساس الاحترام واستمارة المرؤوسين وحثهم وتحفيزهم للقيام بالأعمال المناطة بهم بثقة واندفاع وليس على أساس الخوف والتهديد لأن ذلك يقضي على الشعور بالأمان والاطمئنان لدى المرؤوسين على مستقبلهم الوظيفي والمادي.

ومن تم فكفاية الإدارة في تحقيق الأهداف التي تسعى إليها لا تعتمد على قدرتها في استخدام التكنولوجية المتطورة وتوظيف أكفاء الأطر وإنما تعتمد أيضا على قدرتها في التكيف مع التطورات التي تحصل في البيئة المحيطة بها،وكذلك على قدرتها في استثمار الصراع والتناقضات في وجهات النظر وتوظيفها بكفاية في جميع المجالات التي يمكن أن تسهم في تطوير العملية الإنتاجية فيها ولذلك يتعين على الإدارة تحويل الصراع إلى طاقات مضافة للتطوير والخلق والإبداع والابتكار وصولا إلى مواكبة التطورات المستمرة في البيئة كي تتمكن من البقاء والنمو في بيئة تتطور باستمرار وبشكل سريع، ولذلك يتعين على الإدارة أن تكون قادرة على التطور إداريا وتنظيميا وتقنيا، وأن تستفيد من كل ماهو جديد وحديث حتى تتجاوز حالات الجمود والركود واللاتطور.

وقد أثبتت الدراسات المعاصرة أهمية هذه النتيجة الإيجابية للصراع وأوضحت أن للصراع في المنظمات مزايا وايجابيات عديدة منها ما يأتي:

أولا : يسهم الصراع في زيادة درجة التماسك والتقارب وينمي روح التعاون بين الأفراد العاملين.

ثانيا: يدفع الصراع إلى إيجاد بدائل لمواجهة المشكلات ويدفع الأفراد والإدارة إلى إدخال تغييرات في أساليب العمل تنسجم مع التطورات في البيئة الداخلية والخارجية للمنظم

ثالثا:يدفع الصراع الأفراد العاملين إلى زيادة الجهود وتطوير إنتاجية العمل بهدف إثبات صحة الآراء والأفكار التي يؤمن بها الآخرون.

رابعا: يعمل الصراع على تنمية عمليات الإبداع والخلق والابتكار في المنظمات.

خامسا: يمكن الصراع الإدارة من الوقوف على آراء ومشاعر وأحاسيس الأفراد بخصوص مشكلات العمل ويسهم في إيجاد الحلول التي يمكن أن تساعد على تحقيق أهداف الإدارة والعاملين

سادسا: يساهم الصراع في اكتشاف القيادات الأكثر التي يمكن أن تساعد على تحقيق أهداف الإدارة والعاملين.

وختاما فالدراسات المعاصرة التي تناولت موضوع الصراع في المنظمات كشفت عن وجود نوع من الصراع الإيجابي والمفيد ، يسهم في تطوير عمليات الإبداع والابتكار، وينمي روح التعاون بين الأفراد العاملين من جهة وبينهم وبين الإدارة من جهة أخرى ويساعد على تطوير الكفايات المهنية لديهم وتحقيق الجودة المنشودة في التعليم، ولهذا تعد الخطوة الأولى نحو إدارة الصراعات الداخلية على نحو سليم يحقق الغاية منه في تحقيق المصالحة والسلام الدائم داخل المنظمات ، هي محاولة الاقتراب من تلك الصراعات لفهم طبيعتها والأنماط التي تطرحها، وبشكل عام فإن أغلب الحلول التي جاءت بها الدراسات المعاصرة لإدارة الصراع تركز على ضرورة توفر المهارات الإنسانية واستخدام العقلانية والمنطق والتأثير السلوكي على الأفراد والجماعات وفتح باب الحوار بين الأطراف المتصارعة عوضا عن كبت الصراع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى