تربية و التعليم

حمى الامتحانات

حمى الامتحانات

أنفاس بريس 24 :المصطفى كليتي

لايمكن للمرء أن يحصل على المعرفة إلا عندما يتعلم كيف يفــكــر《كونفوشيوس》

في هذه الفترة من نهاية الموسم الدراسي ، يعيش الأبناء والآباء هوس الامتحانات ، في صفوف الدراسية الابتدائية والإعدادية والثانوية انتهاء بالجامعية ، والضغط الاهتمام يتضاعف ونبضات القلوب تتسارع كلما اقترب هول شبح الامتحان المخيف وما ينتج عنه من هلع وفوبيا، وقلق وسواس له مضار وخيمة على الصحة النفسية والجسدية .

فالامتحانات بمعناها الحرفي تعني المحنة والمعاناة والمرارة وحبذا لوشاع لفظ الاختبارات لأنه تمحيص للمعلومة وتقييمها وتعزيزها ، وشتان مابين المحنة واكتساب الدراية والخبرة ، الهدف هو القدرة والتمكن من الأجوبة والاستفادة من كل تحصيل ، أما – وواقع الحال – تجرى الامتحانات وفق طرق واجراءات تقييم تقليدية تتمحور حول بيداغوجية المعطيات والمحتويات المعتمدة على طرق الحفظ والاسترجاع والتلقين من باب بضاعتنا ردت إلينا .

أمست دروس الدعم ـ قاعدة وليست استثناء ـ داخل المنظومة التعليمية ،

تعمد الأسر على إرغام أبنائها على تلقي سلسلة من الدروس خارج الزمن المدرسي المقرر، بغاية الحصول على علامات متميزة ، وذلك يكون على حساب إمكانية التلميذ (ة) ، الذي يتقبل ذلك بملل ومضض وترضية لرغبة الأباء والأمهات الذين يلزمون الأبناء بلا مايطاق من مراجعات وربما قد يؤدي هذا الإرهاق إلى نتائج عكسية ، وقد يتم إنفاق أثمنة باهضة تفتح شهية وجشع المدارس الخصوصية في رفع تكلفة الدعم الذي تحول إلى تجارة حقيقية تنتفع منها المدارس الخصوصية وكتب مدرسية موازية غير تربوية ولا تعليمية مجرد كتب ملفقة استرزاقية، تربي النشء على الإتكالية والوصولية لا على الإجتهاد والمواظبة على المذاكرة من باب ” أسئلة وحلول ” حيث يبات الحصول على ” النقطة ” أو العلامة الجيدة هي سدرة المنتهى ، بدون إعطاء التلميذ الحرية الكاملة في التعامل مع المدارك المعرفية دون إجبار وإكراه !

للدروس الخصوصية انعكاسات سلبية ، فهي ترهق التلميذ وتثقل كاهل الأسرة وتضرب في العمق تكافؤ الفرص ، فالإقبال المفرط على دروس ” الدعم والتقوي ” يدفع إلى طرح سؤال أساسات التعلم وعن مدى نجاعة هذه الدروس وأهميتها في إسعاف الممتحن على التلقي والتحصيل ، مادامت امتحاناتنا الإشهادية تعتمد على مهارات الحفظ والإستظهار لا على مهارة بناء العقل الذي يفكر ويدبر ويستثمر المعرفة في حياته الخاصة والعامة !

مما يجعل الأسر تعيش حالة طوارىء قصوى استعدادا لهول الاستحقاقات الدراسية ، وقد تصرف من ميزانية الخبز اليومي – وتزيد – لتسدد واجبات وتعويضات الدروس الخصوصية.

نوبات القلق عند التلاميذ (ذات) بما يصاحبها من ضغوطات نفسية وعصبية ، و لاسيما ومعظم الوقت يصرف في المراجعة وإعادة المراجعة ، مما يجعل التلميذ يفقد الثقة في نفسه ويسول له عجزه الحاصل ، اللجوء إلى الغش الذي يحسبه طريقة ووسيلة مجدية من ” نقلة ” على قصاصة ورق إلى النقل المعتمد على آخر صيحات التكنولوجية الذكية ، وهذه الظاهرة خطيرة ومنتشرة إلى حد كبير ، وتكاد تكون حالة عامة ، مما يجعلها آلية هدم كل بناء ديمقراطي وتخرب كل صرح مبدئي وأخلاقي ، وتشجع ظاهرة الغش الوخيمة على الكذب والخداع والمناورة وحب الذات والسعي بكل الحيل الماكرة للوصول إلى الهدف، وقد تمتد آثار هذا السلوك المنحرف إلى مابعد الامتحان والإنتهاء من الدروس التعليمية والخروج للحياة العامة ، فيصبح عندنا جيل من الغشاشين في كل المجالات والميادين ، يتهرب من كل مسؤولية عماده في تحقيق الغايات الرشوة والوساطة والمحسوبية !

مما يجعل وضعنا التعليمي في أسفل ترتيب على مستوى المقاييس العالمية ، ويعزى الفشل الذريع لعدة أعطاب مركبة وفي مقدمتها المؤسسة التعليمية وهي ضحية اختلالات وأزمات تجتر أساليب غير مسايرة بتاتا لإيقاعات العصر المتسارعة نحو أفاق بعيدة كيف ننمي في التلميذ اليوم وهو مشروع للمورد البشري الكفء وحـــجــــر الزاوية للتنمية المنشودة وهو أصلا يبنى وفق معايير هشة أو بالأحرى معجونة بالغش كمنظومة تتلبس المجتمع : سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ، فمن أجل القضاء عل مجتمع ما تقوض دعائم التربية والتعليم فيه ..

فكيف يستفيد متلقي المعرفة من المحصول الدراسي ، وهو مهووس ب ” النقطة ” وإمكانية الحصول عليها بشتى السبل ، والأدهى أن يتواطأ بعض الأباء والأمهات وثلة من الإنتهازيين من مدرسين ومدارس حرة تسعى عنوة إلى الرفع من درجات النقط الغير المستحقة زورا ، من أجل كسب دعاية مغلوطة لنجاح من ينتسب إليها ، مما يزيد الطين بلة ، عدم تكافؤ الفرص وتغذية التفاوت الطبقي والتصنيفي، بين المدرسة العمومية والمدرسة الخصوصية .

بات ضروريا إعادة النظر في المناهج والبرامج والكتب المدرسية والأغلفة الزمنية والتنظيم البيداغوجي وكذا في أساليب التقويم اعتمادا على معيار الكيف لا الكم ، وتضخم المواد والمقرارات ، والحد من ” فيروس ” الغش المستشري ، وذلك بوضع إبدالات تتعلق بعلم السؤال بالانتقال من تعليم ” النقل ” المحصور في إعادة المنتوج إلى تعليم ” العقل ” حيث لا نقف عند المعرفة بل تعليم المعرفة وكيفية تدبيرها ، فخلال الإختبارات نضع بين يدي التلميذ جميع الوثائق المسعفة من كتب وكراسات ومعطيات رقمية والغاية المثلى هي كيف يركب ويحلل ويصل لمخرجات تدل حقيقة على نجاعة علمه ومعرفته ومهارته في استغلال مكتسباته المعرفية والإدراكية .

متى تكون المدرسة حاضنة – حقا للمعرفة – وحياضا يسقي كل صادي عطشان ممسوس بشغف العلم منشغل بشهوة السؤال ، لا أن تتحول مدارسنا أحواض مياه آسنة تنمو فيها طحالب الإفساد والفساد !!

 

**المصطفى كليتي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى