اقلام حرة

البيدوفيليا

أنفاس بريس 24:  بقلم: يوسف باجا

من الممكن أن تكون البيدوفيليا موضوعًا محرّمًا، لكنها غالبًا ما تتصدّر العناوين الرئيسية. ما هي البيدوفيليا؟ من هم مشتهو الأطفال جنسيًّا؟ كيف يتمّ التعامل معهم من قِبل المجتمع الطبي؟ تعتبر البيدوفيليا نوعًا من الشذوذ الجنسي، ولكن ما هو الشذوذ الجنسي؟
الشذوذ الجنسي هو أي اهتمام جنسي شديد ومستمر غير الاهتمام الجنسي المرتبط بتحفيز الأعضاء التناسلية أو المداعبة التحضيرية مع شريك بشري طبيعي ظاهريًا، ناضج جسديًا، وموافق. اضطراب الشذوذ الجنسي هو شذوذ جنسي يسبّب عدم الراحة أو الضرر للشخص أو ذلك، ما لم يحدث بالتراضي، المتضمّن ضررًا شخصيًا -أو خطر أذية مثل هذه للآخرين.
يرتبط الشذوذ الجنسي بالإثارة استجابةً للعناصر الجنسيّة أو المحفّزات غير المرتبطة بأنماط السلوك الاعتيادي، والتي قد تتداخل مع إقامة علاقة جنسيّة طبيعية.
في نظم التصنيف الحديثة، يتم تفضيل مصطلح الشذوذ الجنسي، أو اضطراب الشذوذ الجنسي، حسب الاقتضاء، على مصطلح الانحراف الجنسي لأنه يوضّح الطبيعة الأساسية لهذه الأفعال، والتي تعني الإثارة بالاستجابة إلى الإيعازات غير المناسبة.
اضطّراب الرغبة الجنسيَّة تجاه الأطفال، أو البيدوفيليا (بالإنجليزيَّة: Pedophilia)، يُطلق عليه أيضًا اسم اضطراب الغلمانيّة، والشهوة والانجذاب جنسيًا نحو الأطفال، واضطّراب عشق الأطفال.
يُعتبر الاضطراب خللًا جنسيًا (Paraphilia)؛ حيثُ يميل الشخص البالغ جنسيًا نحو الأطفال، وتعتمد شهوته الجنسية على تخيل ممارسة سلوكيّات جنسيّة مع الأطفال.
يُعرَف الاضطّراب على أنّه توجه جنسيّ تجاه الأطفال دون سن البلوغ، عادةً (13) عامًا، أو من هم أصغر، وقد يُترجم هذا التوجه إلى تحرش أو اعتداء جنسيَ.
عادًة، يكون المصابون بهذا الاضطّراب من الرجال، وينجذبون جنسيًا للأطفال – من أحد أو كلا الجنسين-وتختلف سمات تعلّقهم بالبالغين من الجنس الآخر.
لكي تُشخَّص الحالة، يجب على الفرد إما أن يتصرف على أساس دوافعه الجنسيَّة تجاه الأطفال، أو أن يشعر بضغطٍ نفسيّ كبير نتيجة لحثّه أو تخيلاته. بدون هذين المعيارين، لابد من توافر كلا الأمرين لكيّ يُشخَّص الاضطراب، وبدونهما يُمكننا اعتبار الشخص مقبلًا على الإصابة بالاضطّراب وليس مصابًا بالفعل.
غالبًا يكون المعتدون من الأقارب أو أصدقاء العائلة. وتتنوع الاعتداءات الجنسيَة المُرتَكَبة؛ فقد تكون مجرد النظر للطفل أو لمسه بطريقة جنسيّة. وقد تصل لممارسة الجنس الفموي، أو لمس الأعضاء الجنسية للطفل أو المعتدي. وتُفيد الدراسات أن الأطفال المُهمَلون، والوحيدون ضمن نطاق الأسرة، هم الأكثر عٌرضةً للمضايقات، والاعتداءات الجنسيَة
الأعراض
• تخيلات جنسيّة قوية، ومُلِحّة، أو ممارسة سلوكيّات جنسيّة مع الأطفال دون سن البلوغ (13 عامًا أو أصغر)، لفترة تبلغ -على الأقل- ستة أشهر.
• دوافع جنسيَة مترجمة في صورة اعتداءات وانتهاكات، أو في صورة قلق وخلل اجتماعي أو وظيفيّ، أو حياتيَ.
• يبلُغ المُصاب -على الأقل- ستة عشر (16) عامًا، ويكون فارق السن بينه وبين الطفل المُعتَدي عليه خمس (5) سنوات على الأقل. ولا ينطبق التشخيص على الأفراد في نهاية فترة المراهقة، والذين تجمعهم علاقة جنسيّة مع الأطفال البالغين (12 أو 13) عامًا.
• يجب أن يُحدِّد التشخيص إذا كان الشخص منجذبًا حصريًا للأطفال أم لا، والجنس المُنجذِب إليه سواء ذكرًا أم أُنثى، وما إذا كانت دوافعه الجنسيَة محدودة في نطاق الأسرة والمحارم.

تُوجد بعض الصعوبات في التشخيص؛ نادرًا ما يسعى المصابون بهذا الاضطّراب للعلاج، وعادةً، تكون الاستشارة والعلاج بأمرٍ قضائيٍّ.
يُمكن اعتبار المقابلات الشخصية، والاستعلامات، والسجلات الأرشيفية عن التحقيقات الإجرامية، دليلًا مساعدًا في تشخيص هذا الاضطّراب. ويُعد الاستخدام المُفرط لمشاهد الأطفال الإباحية مؤشرًا قويًا على الإصابة بالاضطّراب. إضافًةً إلى ذلك، يُمكن قياس مدى استثارة الأعضاء الجنسيَة عن طريق تعريض المُصاب في تجربة معملية لمحفز جنسيَّ، وقياس تغيّرات واستجابة الأعضاء الجنسية (القضيب).
العلاج
بالإضافة للعلاج النفسيّ، يُمكن استخدام الأدوية لعلاج الاضطّراب. مثل: مُضادات الأندروجين (بالإنجليزيَة: Antiandrogens) التي تعمل على تقليل الدافع الجنسيَ، وأسيتات الميدروكسي بروجستيرون (بالإنجليزيَة: Medroxyprogesterone acetate) وتُعرف تجاريًا بسم بروفيرا (بالإنجليزية: Provera)، وأسيتات الليوبروليد (بالإنجليزيَة: Leuprolide acetate) وتُعرَف تجاريًا باسم لوبرون (بالإنجليزيَة: Lupron).
يُمكن وصف مُثبّطات استرداد السيروتونين الانتقائيّة (بالإنجليزيَة: SSRIs) لعلاج الاختلالات الجنسيَّة القهرية المُصاحبة، وتقليل الآثار الجانبية الناتجة عن أدوية تقليل الدافع الجنسيّ.
يُمكن استخدام أدوية الاكتئاب، مثل: سرتالين (بالإنجليزيّة: Sertaline)، وفلوكستين (بالإنجليزيّة: Fluoxetine)، وفلوفوكسامين (بالإنجليزيّة: Fluvoxamine)، وسيتالوبرام (بالإنجليزيّة: Citalopram)، وباروكستين (بالإنجليزيّة: Paroxetine)، ولكن بجرعات أعلى عن تلك الموصوفة لحالات الاكتئاب.
لا ترتبط شدّة الإثارة أو الدافع الجنسيّ بالسلوكيّات أو الاضطرابات الجنسيَّة. كما أنّ ارتفاع نسبة هرمون التستوستيرون (بالإنجليزيَة: Testosterone) في الدم، لا يجعل الفرد عُرضةً للإصابة بالاضطرابات الجنسيَة.
تُقلِل هرمونات أسيتات الميدروكسي بروجستيرون، وأسيتات السيبروتيرون نسبة هرمون التستوستيرون في الدم، لذلك تعمل على تقليل الدافع الجنسّي، ونسبة حدوث الانتصاب، والتخيّلات الجنسيّة، والقيام بسلوكيات جنسيَة، كالعادة السرية (بالإنجليزيّة: Masturbation) أو العلاقات الجنسيَة.
يُستَخدم العلاج بالهرمونات بالتتابع مع العلاج السلوكي، والإدراكي المعرفي. نجحت مضادات الاكتئاب في تقليل الدافع الجنسيّ، ولكنها لم تعمل على تقليل التخيلات الجنسيّة.
تُفيد الأبحاث بأن مختصي العلاج السلوكي المعرفي نجحوا في علاج الأفراد المصابين بهذا الاضطراب، عن طريق:
• الإشراط الإجرائي المُنفِر: وهو شكل من العلاج يُحِد من تكرار السلوك غير المرغوب به؛ وذلك عن طريق المزاوجة بين مُنبِه مُنفِرٍ غير محبب مع سلوك غير مرغوب به.
• المواجهة بالانحراف الفكري.
• التعاطف مع الضحية، وذلك بعرض فيديوهات للضحايا عقب الاعتداء عليهم.
• التدريب الحازم على المهارات الاجتماعية، التخطيط وإدارة الوقت.
• تجنب الانتكاسة عن طريق معرفة العوامل المؤدية لإثارة الدافع الجنسيّ والاعتداءات وكيفية التغلب عليها.
• مراقبة سلوك الأفراد المصابين عن طريق أنظمة الرصد والمراقبة.
• الالتزام بالعلاج مدى الحياة.
ينُص الإشراط الإجرائي على استخدام مُنفِر، أو مُحفِز سلبي لتقليل أو التخلص من سلوك ما.
يُعتبر التحسس الضمني واحد من أساليب الإشراط الإجرائي. ويعتمد علي وضع المريض في حالة استرخاء وتعريضه لمشاهد اعتدائية، ثم يتبعها مشهد سلبي كأن يعلق قضيب المعتدي في سحاب بنطاله.
يُشبه الإشراط الإجرائي التعزيزي التحسس الضمني؛ ولكن يتميز باستخدام مُحفِز سلبي حقيقي، كأن يتم تعريض المريض عن طريق المُعالِج، لرائحة كريهة بعد مشاهدة الاعتداءات. والهدف من ذلك أن يربط المريض بين الاعتداءات والرائحة الكريهة، وجعل المريض يشعر بالخزيّ والعار نتيجة لفعلته، على سبيل المثال، قد يشاهد فيديو مصورًا أثناء اعتداءه على طفل ما، مما يُشعره بالخزي والرغبة في التوقف عن تلك الانتهاكات.
وهناك أيضًا الإشراط الإيجابي، والذي يرتكز على تعلُم المهارات الاجتماعية، والسلوكيات المناسبة. يعتمد إعادة الإشراط على إعطاء المريض استجابة سريعة والتي ربما تساعده على تغيير سلوكه.
يتم إيصال المريض بجهاز يقيس الاستجابات الحيوية، ويُزود الجهاز بلوحة إضاءة، وعلى المريض أن يُحافظ على الضوء في درجة معينة أثناء تعريضه لمحفز جنسيّ.

يشمل العلاج الإدراكي إعادة هيكلة، وتصحيح الانحرافات الإدراكية، والتدريب على التعاطف مع الآخرين. تُصحَّح الانحرافات الإدراكية عن طريق تصحيح أفكار المريض، فربما يظن المريض خطأً، أن الطفل يرغب في ممارسة سلوكيات جنسيَة معه. على سبيل المثال، إذا شاهد المريض طفلة ترتدي ملابس قصيرة قد يظن أنها تغويه وتريده.
يساعد اكتساب التعاطف على معرفة الضحية، ومعاناتها، وصراعاتها، وفهم مدى الضرر الذي سببه المريض للضحية.
من الصعب تحديد المسار الذي يسلكه الاضطّراب. فبالنسبة للمُصابين، ربما يكون من الصعب جدًا تغيير تخيلاتهم ورغبتهم الجنسيّة والتحكم بها مدى الحياة.
يستطيع المُعالِج أن يقلّل التخيّلات الجنسيّة، وأن يُحسِن سلوكيات المريض، ولكن على المريض أن يُدرك حالته، ويرغب في العلاج، ويتعاون فيه.
أوضح العلاج النفسي المرن، والعلاج السلوكي، والتدخلات الدوائية والجراحية، بعض النتائج في علاج الاضطراب، وقد يستمر العلاج مدي الحياة.

المصادر:

• American Psychiatric Association. Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders, Fifth Edition.
Levey, R. & Curfman, W.C. (2010). Sexual and Gender Identity Disorders

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى