ثقافة و فن

الإبداع وتجربة اللامتناهي ” موضوع لقاء مفتوح مع الشاعر رشيد المومني . *من تنظيم صالون مازغان للثقافة والفن .

انفاس بريس 24: عبد الله مرجان

نظم صالون مزغان للثقافة والفن وبتعاون مع المديرية الإقليمية للتعليم بالجديدة ،بالقاعة الكبرى لذات المديرية يومه السبت المنصرم النسخة السادسة من الدروس الإفتتاحية ، حيث عرفت نسخة هذه السنة حضور الشاعر المغربي رشيد المومني،الذي تناول موضوع “الإبداع وتجربة اللامتناهي” وهو الدرس الذي لقي تجاوبا وتفاعلا منقطع النظير من قبل عموم المبدعين والمثقفين الذين تجشموا عناءالسفر من مدن خارج الجديدة ولم يفوتوا فرصة الإرتواء من معين شاعر راكم تجربة كبيرةفي عالم الإبداع الشعري .
ويأتي هذا الدرس الإفتتاحي في سياق الإنفتاح الذي يؤسس له صالون مازغان منذ تأسيسه ،حيث دأب على إستضافة ألمع الأسماء في مجال الإبداع الأدبي ،وذات إضافة علمية أكاديمية هامة تروم مناقشة قضايا الساحة الأدبية بشكل عام .
وإستهل اللقاء بكلمة ألقاها بالمناسبة الأستاذ والباحث السوسيولوجي محمد مستقيم ، وهو عضو بجمعية مازغان للثقافة والفن والذي رحب بالضيف وممثل مديرية التعليم بالجديدة ،كما أنار الطريق لعموم الحاضرين من أساتذة جامعين وطلبة الماستر والدكتوراة ،من خلال توطئة تطرق فيها لأعمال الشاعر رشيد المومني ،ملفتا إلى أن الرجل أسس لتصور شعري مابعد حداثي ،بإعتباره أحد أقطاب شعراء السبعينيات ،الذين أسسوا لتقاليد شعرية جديدة وعلى رأسها قصيدة النثر التي مارسها الجيل الذي ينتمي إليه رشيد المومني مذكرا بأهم أعماله التي يزاوج فيها بين الكتابة الشعرية والبحث النظري ،كما يتقاطع فيها الشعري بالفلسفي .
ومن جهته أعرب الأستاذ عبدالجليل المشيشي ممثل مديرية التعليم بالجديدة بإعتبارها شريكا إستراتيحيا للجمعية عن إعتزاز المديرية أيما إعتزاز وهي تستضيف الدرس الإفتتاحي الذي يدشن به صالون مازغان للثقافة والفن موسمه الثقافي الجديد ،خصوصا وأن ضيف الصالون هذه المرة قامة إبداعية تداني عنان السماء ،تخرج على يده أجيال وأجيال من المبدعين ،إنه الشاعر والكاتب المميز رشيد المومني .
وتابع الأستاذ المشيشي في كلمته قائلا “لا تفوتني الفرصة أن أعبر عن سعادتي البالغة وأنا أرى فرسان صالون مازغان يجتهدون كل موسم ثقافي لتعزيز وإغناء الحركة الفكرية والثقافية والإبداعية بالإقليم ،بما هو جديد مفيد .وعليه أود أن أنوه إلى أن المجتمع المدرسي ،في أمس الحاجة إلى التفاعل مع المبدعين من الكتاب والشعراء والباحثين ،علنا نسترجع جزءا بسيطا من أحلامنا التي ضاعت وسط هذه الضوضاء المنهمر علينا من الفضاء” .
و أدار الأستاذ مستقيم اللقاء بإقتدار كبير وبعلم وارف وحس نقدي بالغ ، إذ تناول بتفصيل سيرة وأعمال الشاعر المغربي رشيد المومني وأشاد بمجهوداته الحثيثة والرامية إلى تطوير النص الشعري ،مبرزا أن رشيد المومني شاعر من طينة خاصة ،تلوح كلماته مطعمة بعمق التجربة وصدقها،يناور على حدود المتهاهات الوجودية ،شاعر يتوغل في الذات والسؤال الوجودي .
“الإبداع وتجربة اللامتناهي” عنوان الدرس الافتتاحي للكاتب والشاعر رشيد المومني والذي لامس فيه علاقة الإبداع بفعل الخرق والتجاوز للمتناهي بحثا عن اللامتناهي مرورا بعتبة التخييل كحد فاصل بين تلك العوالم، انطلاقا من نماذج سردية وأسطورية تمثل عوالمها التخييلية جسرا للعبور والخرق لماهو زمني ومحدود إلى ما هو لازمني مطلق، ويعكس الخطاب الشعري الصوفي خصوصيات التوق إلى اللامتناهي وما مواقف النفري والحلاج وابن عربي إلا نماذج دالة على تلك المكابدة الفكرية والروحية التي تترجم فكرة الإنعتاق من بوثقة المتناهي ومحاولة التماهي مع اللامتناهي.
وتحدث رشيد المومني عن الإبداع في علاقته باللامتناهي مبرزا أنه كلما إستطعنا أن نحقق الإبداع في دواخلنا كلما نجحنا في خلق آدميتنا وبشريتنا ،لأن اللامتناهي هو بدايةالإبداع ، وضرب المومني مجموعة من الأمثلة والنماذج ،منطلقا بالتفسير والتحليل من ملحة “جلجاميش”.
وفي ذات السياق أكد الناقد عبدالفتاح الفقيد ،إرتباط الإبداع بفكرة الخلق التي تؤشر على أول محاكاة للكائن الإنساني لذات الإلاه،ومحاولة الإتصاف بصفة من صفاته المركزية ،هذه الرغبة في المحاكاة هي التي أدت إلى خلق القوانين وفي مقابلها كان الخرق والإنتهاك .
وأبرز الأستاذ الفاقيد أن العودة إلى مختلف الأساطير والخرافات والحكايات التخيلية ، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك تصور تلك الثنائية التي يتأسس عليها الصراع بين المتناهي الذي يؤطره وتحميه القوانين ،ثم اللامتناهي الذي يطمح دوما إلى الإنتهاك والخرق وتجاوز المتناهي كمحاولة منها للقبض على بعض من اللامتناهي ، وهكذا يمكن القول أن الخيال بمثابة عتبة فاصلة بين المتناهي واللامتناهي بين المحدود واللامحدود بين الزمني واللازمني .
وعليه يمكنني أن أضيف إلى عتبة الخيال ،عتبة أخرى وهي عتبة اللعب ،وأعني باللعب هنا ماعناه جورج باطاي وهو فيلسوف فرنسي تأثر في كتاباته بنيتشه وبالنزعة السريالية ، هذا الزواج الوثني بين الخيال واللعب هو الذي وسع دوائر المغامرة في البحث عن اللامتناهي .
وبسط الاستاذالفاقيد أمثلة ونماذج إضافية توضح مفهوم اللامتناهي وعلاقته بالإبداع ،كمقام المحبة عند الصوفية وما تفرع عنه من مقامات الإرتقاء ،وجاك دريدا فلسفة التفكيك وغياب المركز وهو محاولة لتكسير المتناهي ،ثم من خلال التأسيس النقدي لمفهوم الشعر ،حيث نجد أغلب الشعراء كانوا يقاربون مفهوم الشعر من زاوية معيارية وبنيوية ،بإستثناء الناقد العربي حازم القرطاجني في” منهاج البلغاء وسراج الادباء” ،الذي أضاف إلى التحديدات السابقة شرطا جوهريا وهو عنصر التخييل ،وهو تعبير عن الرغبة والتوق إلى اللامتناهي .
وفي ختام اللقاء فتح باب النقاش ،حيث أبان الحاضرون عن تفاعل من خلال بسط مجموعة من الأسئلة التي صبت في إتجاه الحديث عن العلاقة بين الإبداع واللامتناهي .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى