اقلام حرة

برغم التهجم والنرفزة من “الأحرار…” النقاش الصريح ضروري

 

بقلم محتات الرقاص
نجح حزب التجمع الوطني للأحرار في تقديم معنى واضح لما يفهمه من الحوار الوطني العمومي حول النموذج التنموي وحول قضايا الوطن، ولم يتردد في إشهار عصا التهديد والشتيمة في وجه سياسي مناضل يشهد الكل بحكمته وصدق وطنيته، وهو الرفيق اسماعيل العلوي.
الرجل تدخل في منتدى عمومي أقامه حزبه في القنيطرة حول قطاع الفلاحة، وذلك ضمن النقاشات العميقة التي فتحها الحزب حول النموذج التنموي الجديد، وعقب الجامعة السنوية التي كان قد نظمها في الرباط حول الموضوع نفسه، واستمر في تنزيل محاورها القطاعية عبر منتديات للنقاش العمومي في الجهات والأقاليم، لكن أصدقاؤنا الأحرار…، لم يزعجهم سوى تدخل اسماعيل العلوي حول الفلاحة في القنيطرة.
لا يجد المرء سوى إبراز الإستغراب أمام هذا”التفاعل” العجيب الذي عممته بوابة الحزب المذكور على الأنترنيت.
نحن هنا لا نريد مجاراة الرد العصبي والمنفعل، وأن نغرق في تفاصيل السجال حول واقع الفلاحة، ولا نريد حتى أن ندافع عن اسماعيل العلوي.
فبغض النظر عن كل هذا، وعن كل ما قاله الرجل، فالأساس هو انعدام الاستعداد لسماع رأي مختلف، ولو كان محترما وجديا، وبلغة لم تخل من لياقة حديث، ثم أيضا الإصرار على المناقشة بذهنية مثقلة بالأنانيات وقيود عقلية الأتباع وحاملي النافخ والطبل.
هذه هي المشكلة الأولى، ونحن لم نفهم مثلا لماذا لم تعمد الوزارة الوصية على القطاع الى الرد وتقديم معطيات علمية وواقعية لدحض أي نقد، بدل ممارسة الفرار نحو الجبة الحزبية، كما أننا لم نفهم كذلك لماذا فضلت وزارة الفلاحة أن تغيب عن حضور المنتدى المتحدث عنه، برغم تواصل المنظمين مع كاتبها العام وإصرارهم عليه كي يكون رأي السلطة الحكومية ذات الصِّلة حاضرا، وفِي الأخير يحدث هذا الرد الانفعالي والصغير جدا جدا.
يعتقد الأحرار …، أن اسماعيل العلوي يريد اثارة الانتباه حوله للعودة الى الساحة السياسية، ولهذا هو يتخذ من القطاع الفلاحي مطية له.
وفقط هذه التخريجة وحدها تجعل كل من يقرأها يضحك الى ان يرخي ظهره الى الوراء، ذلك أن سن الرجل وكامل مساره النضالي وسلوكه السياسي طيلة أزيد من نصف قرن يقدمان الجواب لكل الطارئين.
على الأقل الحزب الذي ينتمي اليه الرجل لم يعمد من قبل لاقتراف ذات الرد لما جالت قيادة هؤلاء الأحرار…، مختلف جهات المملكة تعقد التجمعات، ولا يركز خطابها سوى على قطاع الصحة مثلا، وجرى التعاطي مع الأمر باعتباره تنافسا وتدافعا سياسيين عاديين.
كما أن الحزب التقدمي، وفِي مختلف القطاعات التي أشرف على تدبيرها، لم يصرح يوما أنه أنجز كل شيء وطويت صفحة الإصلاح، ولكنه يؤمن، ولا زال، أن الإصلاح مسلسل وتراكمات، وأنه لا زالت هناك كثير أشياء يجب أن تتحقق، والفلاحة، بدورها، على غرار باقي القطاعات حققت مكتسبات وانجازات أساسية، ولم تتحقق أشياء أخرى، ومن ثم فالقول اليوم بأن:” القفزة النوعية التي يشهدها القطاع( الفلاحي) حقيقة بديهية لن يستطيع اسماعيل العلوي استيعابها…”، أو الذهاب بعيدا في قلة الأدب، وتبرير ذلك بمعرفته المحدودة بالقطاع الفلاحي، أو التصريح بكثير من اللاخجل بأن:” القطاع المتميز والمزدهر، مثل العشب الجيد يجذب الطفيليات”، فهنا أيضا لا نملك أن نمنع الناس من الضحك العالي والقهقهة.
سؤال بسيط جدا بهذا الخصوص:
اذا كان القطاع الفلاحي متميزا ومزدهرا بهذا الشكل الإطلاقي الذي تصفونه، ويحقق اليوم قفزة نوعية، لماذا إذن لم ينجح في خلق طبقة وسطى من داخله مثلا؟ وهو ما دعا جلالة الملك الى العمل عليه الان.
وترتيبا على هذا السؤال البسيط جدا، ليتأمل معنا اخواننا الأحرار…، أسئلة أخرى متصلة:
هل اسماعيل العلوي هو الأول أو الوحيد من سجل وجود نواقص في تطبيق مخطط المغرب الأخضر؟ وهل فعلا أنتم مقتنعون أن فلاحتنا المغربية عرفت تغييرا جوهريا بالقدر المطلوب والمعبر عنه من خلال انتظارات وانشغالات فلاحينا وعموم شعبنا مع هذا المخطط وتحقق قفزة نوعية؟ وهل انعكس هذا المخطط على صغار فلاحينا وساكنة أريافنا وقرانا بالخصوص؟…
وهل من الحرام والممنوع أن يمارس المغاربة اليوم حقهم الطبيعي في تقييم سنوات مخطط المغرب الأخضر وتسجيل الإيجابيات والسلبيات لرسم طريق المستقبل كما دعا الى ذلك جلالة الملك، وكما يجب تقييم مختلف السياسات العمومية في كل القطاعات؟.
وهل يمكن النجاح في صياغة نموذج تنموي جديد لبلادنا بدون تعميق النظر والتحليل في واقع القطاع الفلاحي واختلالاته؟ وبالطبع تسجيل ما تحقق من إصلاحات بشكل موضوعي؟
أما أن تنزعجوا من القول بأن المغرب ليس بلدا فلاحيا، فيجدر هنا العودة الى قراءة الكتب وأدبيات كبار الباحثين المغاربة والأجانب، وأن نبدأ من البداية، لأن الكلام هو في مقام العلم وليس في مقام السجال السياسوي الصبياني.
وبناء على كل السابق أعلاه، فالأمر ليس فيه دورس لأحد، ولكن من لا يثق في نفسه هو الذي يتحسس من كل تلميح، حتى ولو كان الكلام أكبر منه قامة ومعرفة.
أما اللحظة السياسية، وخصوصا الاجتماعية في المدن والقرى، فهي تقتضي من كل القوى الوطنية حقيقة أن تفتح البصر والبصيرة لتناقش بعقل ووضوح كل مشكلات البلاد والناس من دون شتائم أو سباب أو هروب عاري، لأن شعبنا بالفعل يعيش المعاناة، والمعضلات الاجتماعية موجودة، والمخاطر تتربص ببلادنا، ومن يغلق فمه وأذنيه وعينيه وعقله عن كل هذا يقود البلاد نحو المجهول، وهو ما لا نقبله نحن أو نرضاه للمغرب والمغاربة.
أيها الإخوان الأحرار…، ( خليو عقلكم فعقلو)، أما اسماعيل العلوي فالكل يعرف أنه أكبر من المناصب وأبعد من الشعبوية الفجة، وأن فلاحتنا فعلا في حاجة الى حوار وطني عمومي حقيقي وصريح بلا أنانيات أو يقينية بليدة.
وبكلمات بسيطة جدا، فالقطاع، كقطاعات أخرى، حقق منجزات وشابته نواقص ولا زالت أمامه تحديات…
وهكذا يفهم العقلاء الأمور .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى