ثقافة و فن

*حينما أكتب أعيش حياة بعيدة عما أعانيه في الواقع .    *   الشاعر المغربي حسن حصاري 

أنفاس بريس 24 : حاوره عبد الله مرجان

صدر للشاعر المغربي حسن حصاري مؤخرا كتابه الأول في مجال الشعر بعنوان “أضغات يقطة مفرطة ” ،وبهذه المناسبة كان لجريدة أنفاس 24  حوار معه ،من أجل تقريب القراء من الإرهاصات الأولى وطقوس الكتابة ،ثم الجنس الأدبي الأقرب إلى وجدان الشاعر ، حيث إعتبر أن المراحل الاولى في مسيرته الدراسية شكلت الإنطلاقة  في عالم الكتابة ، غير أن حب الكتابة بدأ في النظج في المراحل الجامعية ،ملفتا إلى أن زوجته الشاعرة مليكة فهيم ،والباحث الدكتور إبراهيم الحجري ،همامن أوقدا فيه شرارة الكتابة ،وإن كان لم يعتبر نفسه كاتبا ،بل مهووسا بالحرف يتلمس الطريق .

*  كيف كانت بدايتك في عالم الكتابة؟

بتعبير دقيق بدأت أكتب كأي واحد يهوى الكتابة، وليس ممارسة فعل الكتابة بالمفهوم الإصطلاحي لها وذلك في سن مبكرة، كأي شاب حالم مولع بالقراءة، هذه القراءة التي سكنتني بقوة، في وقت لم تكن تشغلني فيه اهتمامات زائدة عن الدراسة، وأوقات ترفيه بسيطة مع الأصدقاء، كان لي متسع من الوقت لكي أقرأ. ابتداء من سنوات التعليم الابتدائي، حيث ساهمت مبادرة إدارة المدرسة، المتمثلة في توفير مكتبة صغيرة، تضم مجموعة من القصص والكتب، في أن أدمن فعل القراءة للعديد منها، خاصة تلك التي تستجيب آنذاك الى تطلعاتي كطفل مندهش بعالم الكتابة التي مكنتني من خلق فضاء خيال واسع يسافر بي الى عوالم أكبر مما أعيشه في الواقع. وتعزز بداخلي هذا الفعل أثناء دراستي بالإعدادي، حيث تعددت لدي مصادر القراءة لقصص وروايات كثيرة، وتطورت في مرحلة الثانوي الى كتب مختلفة الاتجاهات: كتب أدبية وفكرية ونقدية وحتى كتب الفكر الإسلامي، حيث كانت تلك الفترة الزمنية من السبعينات والثمانينات، موسومة بنشأة اتجاهات فكرية متعددة، تأثر بها العديد ممن جايلتهم.

هذه الفترة لم تكن لتمر دون أن تترك أثرا في علاقتي بالكتابة، فكتبت آنذاك خربشات أو نقش لحروف كتابة أولى، لما أعتقد أنها محاولات ابداعية خجولة، أقلد فيها كتابا وشعراء بعينهم،

لإعجابي بكتابتهم، ثم واصلت الكتابة الإبداعية، خاصة في مجال الشعر، بعد متابعة دراستي الجامعية بكلية الآداب، تخصص لغة عربية وآدابها، وهو اختيار واعي مني، لتعزيز ثقافتي الأدبية، لتحقيق حلم طالما راودني منذ الصغر وهو أن أكون كاتبا. وقد كان لسنوات الدراسة الجامعية كبير الأثر في تكويني الأدبي، وتوجهي نحو دراسة الشعر، حيث تمحور بحثي في الإجازة حول قراءة في ديوان: ” أشعار في الحب والموت ” لأحمد الجوماري، تحث اشراف أستاذي الفاضل الشاعر محمد الشيخي، أطال الله في عمره، ولا زلت أذكر الى اليوم، أنه لم يقبل الإشراف على بحثي الا بعد أن تأكد من خلال مقابلة أجراها معي، وجه لي فيها العديد من الأسئلة المتعلقة بالشعرعامة والشعر المغربي خاصة، رغبتي الملحة في الاهتمام بالدراسات الشعرية.

 

* في تجربة الكتابة، أين يجد الكاتب حسن حصاري نفسه في الشعر أم في جنس آخر؟

صراحة، لا أعتبر نفسي كاتبا بالمعنى المتعارف عليه في أبجديات المهنة، ولا أسمح لنفسي أن أتقمص بغير وعي، ولو القليل، من دور الكاتب الحقيقي. فلا يمكن أبدا أن أعتبر نفسي كاتبا لمجرد أنني أكتب وبغير انتظام، فليس كل من يكتب يعتبر كاتبا، فالكتابة تتطلب بالإضافة الى الموهبة، الإلمام بتقنيات الكتابة واكتساب المهارات اللغوية وقوة الإحساس، والمثابرة في تحصيل الخبرة الإبداعية، عبر تقييم نقدي لتراكمات النصوص السابقة.

وفيما يخص تجربتي الجد متواضعة في الكتابة، فقد كان متوقعا منذ زمن طويل، أن أشق طريقي فيها بحماس بتشجيع من أساتذتي خصوصا أساتذة اللغة العربية، وزملائي في مختلف الأسلاك الدراسية، ولكن للأسف الشديد، وأتحمل مسؤولية اختيارات أخذتها في فترة من حياتي، بدون تقدير عواقبها وتأثيرها على مسار طالما حلمت أن أحقق من خلاله ذاتي، ومنها أن أكون كاتبا، فتوقفت لسنوات طويلة جدا عن متابعة تحقيق هذا الحلم، لتبريرات أراها اليوم جد واهية كبدتني خسارة انجاز كان قاب قوسين أوأدنى من التحقق. بحيث توقفت لسنوات طويلة جدا عن متابعة الكتابة الإبداعية، وعوضتها بالاشتغال في مجال التدبير والتنشيط الثقافي. وقد كانت عودتي أو مصالحتي مع الكتابة الشعرية، ابتداء من سنة 2017، ويرجع فضلها إلى شخصين: أولهما زوجتي الشاعرة والباحثة مليكة فهيم، التي طالما حثتني على تجديد مواصلة الكتابة، والناقد والروائي الدكتور إبراهيم الحجري، حيث شجعني ومن خلال نظرته كناقد وأديب، على العودة الى الكتابة. ومن خلال هذا المنبر أتوجه لكليهما بعميق الشكر والتقدير.

أما فيما يتعلق باختيار الجنس الأدبي الذي أجد فيه نفسي، فالإجابة بتحديد الاختيار وتفضيله، ليست بتلك السهولة، لأنني حين أكتب وهذا فقط رأيي الشخصي، وخاصة في مجال الكتابة الإبداعية، أكتب مستشعرا بإحساسي، بحيث يتجاوز لدي أحيانا النظرة التفضيلية للكتابة في إطار جنس أدبي معين على آخر. وحدها القدرة على التمكن من التعبير بقوة وبعمق عن الأفكار والمشاعر ووضوح الرؤيا، تقودك الى اختيار الجنس الأدبي، الذي تراه مناسبا لنَفس الكتابة، لاستيعاب كل الفيض الجارف من الأحاسيس ..

فالأجناس الأدبية، وبحكم تطورها وانفتاحها على مختلف المواضيع، تمددت فيما بينها الصلة الإبداعية وتداخلت، ومن هنا أصبح بارزا حضور مكون الحس الشعري داخل بنية السرد رواية كان أو قصة .. وحتى الممارسة الشعرية أصبحت بدورها منفتحة على أفاق رحبة من الرؤى الجديدة في الكون والحياة  ..

لقد اخترت بوعي، أن أسلك مسلك الكتابة الشعرية، حيث أحس بها القريبة جدا من وجداني، ومن خلالها أستطيع أن أعرب عن كل مشاعري وأحاسيسي، تجاه القضايا التي تستأثر باهتمامي ولها ارتباط بالذات، فالكتابة الشعرية فن يتطلب حسا جارفا، واصغاء عميقا لداخل الذات وخارجها، وامتلاك رؤيا شعرية خاصة، مدعمة بتكوين لغوي متمكن من أدواته البلاغية، للتمكن من القدرة على التعبير وترجمة الأحاسيس الى صور من خلال الكلمات التي لها وظيفة نقل المعلومة والبعد الجمالي. كما إنني لا أرغم نفسي على الكتابة في مواضيع لا أحس بها، مع إني أرغب بالإضافة الى ذلك، مستقبلا بعد صقل التجربة، اقتحام السرد من باب القصة وغيرها.

* ماهي اسرار الكتابة وطقوسها عند الشاعر حصاري؟

كثيرا ما يثيرني استحضار كلمة الطقوس، هذا المفهوم في فعل الكتابة لدى البعض، قبل توقيع أول حرف لكلمات نصوصهم الإبداعية. بحيث تختلف أشكال ممارسة هاته الطقوس، حسب قوة اعتقاد الكاتب بجدواها، تتوزع إجراءاتها ما بين البساطة والتشدد، وما بين التقليد والتباهي.

الكتابة كفعل ابداعي، قد يداهمك بإحساس قوي كل وقت وحين، دون الحاجة الى تأثيث ديكور سريع التركيب.  فالكتابة فعل يتحرر منك متى شاء وأنى شاء دون اشعار. ومع ذلك، ما زالت طقوس الكتابة لدى البعض قائمة بغرائبيتها الأكثر اثارة من فعل الكتابة نفسها. أكتب فحسب بذاتي، كلما أحسست بالرغبة في ذلك، كلما تفاعلت بقوة مع أحاسيس قد تكون أحيانا عابرة، دون طقوس محددة أو مرتبة لذلك، حينما أكتب أعيش حياة ثانية بعيدة عما أنا عليه في الواقع، أسافر بأحاسيسي أنى شئت، أخترق الأزمنة، أعيد تركيب تجربتي في الحياة بكثير من تقدير وتقييم، لكل ما أحمله من قيم، فالكتابة بالنسبة إلى رسالة نبيلة.

 

*  لا شك أن الشاعر حصاري له في حياته الشعرية قدوة أو تيار شعري تأثر به؟

لابد من الإشارة في البداية، الى أن أي كاتب إلا وله مرجعية يستند عليها في بناء ذاته، فبعد المرجعية المعرفية والفكرية، يأتي أثر حضور التجارب الإبداعية سواء لتيارات أو لأعلام ثقافية من شعراء وكتاب .. وفي مجال الشعر، وجدتني مقبلا في البداية، على الشعر الحديث من خلال مدرسته الواقعية، التي رأيت أن مرتكزاتها عموما تقوم على تقدير قيمة الإنسان وبكل ما يختلج نفسيته من طموح وتطلعات لتحقيق غذ أفضل. أما على مستوى التأثر بالتجارب الشعرية لشعراء بعينهم، أسجل بأني تأثرت بكثير منهم تأثيرا يتفاوت حسب تجاوبي مع تجربة كل واحد منهم، فبعض شعراء الحداثة تركوا بصماتهم في نصوصي، خاصة تلك التي ارتبطت بمفهوم الشعر الملتزم.

* باختيارك الكتابة في الشعر، ما موقع نصوصك من النشر والإصدار؟

حرصا مني على تمكين القارئ من الاطلاع على تجربتي، فقد قمت بنشر نصوصي الإبداعية بالعديد من الجرائد والمجلات الوطنية والعربية، والمواقع والجرائد الإلكترونية المختصة في الثقافة  والأدب. أما فيما يتعلق بالإصدارات، فقريبا إن شاء الله، سأنطلق في اصدار باكوراتي الشعرية.

* رسالة أخيرة

ينبغي علينا عموما التشجيع على القراءة، وخاصة بين فئة الصغار والشباب، وعلى ممارسة الإبداع بمختلف فنونه، لأن هذه الاهتمامات المعرفية، هي الكفيلة بخلق مواطن يقدر معاني الجمال في مختلف مظاهر الحياة، ويساهم في الارتقاء وتطور المجتمع بشكل إيجابي ومسؤول.

وأغتنم المناسبة هذه، للإعراب عن خالص شكري وامتناني، لجريدة أنفاس 24 على مبادرتها القيمة، بتمكيني من اجراء هذا الحوار الصحافي، لكي أقرب للقارئ، حقيقة بعض من خلفية صورتي، التي لا تظهر بجلاء في كتاباتي الإبداعية، كما أوجه شكري لك الأستاذ عبد الله مرجان، على هذه الاستضافة الكريمة، ولأسئلتك الواعية العميقة التي حركت بداخلي العديد من الإشارات، التي جعلتني اليوم على ما أنا عليه، أبدأ من جديد أبحث عن نفسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى