اقلام حرة

السكن،جزء من الكرامة الإنسانية.

أنفاس بريس 24: بقلم: يوسف بن عبو طالب باحث.

شكلت هذه الفترة التي تمر منها بلادنا في مواجهة هذا الوباء، مرحلة إمتحان حقيقي للمجتمع بكل مكوناته و نفس الأمر بالنسبة لمختلف مؤسسات الدولة، التي وجدت نفسها أمام تحديات تفرض سرعة اتخاذ القرارات و التجاوب مع المعطيات و المستجدات.
و لا يمكن أن ننكر جهود بلادنا في التعامل مع الظروف الطارئة و الوضع بقدر كبير من الحزم و التعاطي الجاد.مما يوحي بأن هذه الظرفية الحرجة استطاعت أن تعيد زرع بدور الثقة بين المواطنين و المؤسسات من جديد،وهذا مكسب يستدعي الإستغلال الجيد له ما بعد الأزمة بنوع من التفكير المعقلن،و بتوفير مؤسسات حزبية قوية قادرة على إعادة تحصيل ثقة المغاربة و كذلك مجتمع مدني قوي فاعل و متشبع بقيم المواطنة و روح التضامن و التضحية،بعيدا عن منطق المزايدات الضيقة و المصالح الشخصية،
سيرا على مسار الديموقراطية.
و بالرغم من أن الجهود المكثفة لكل الفاعلين كانت في مستوى التطلعات،إلى أنه أيضا هذه الفترة مزقت الستار ،وكشفت واقع شريحة واسعة من المغاربة.التي وجدت نفسها في فترة العزل أمام ظروف تلخصه معاناة يومية مع ضيق المساحات المخصصة للسكن، و غياب شروط السلامة الصحية من ماء صالح للشرب و شبكة الربط بقنوات الصرف الصحي،و بين الكم الكبير من أفراد العائلة الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على تقاسم مساحات ضيقة،تغيب فيها الفضاءات الخاصة و المتعددة كالغرف الخاصة لكل فرد،ما يجعل غرفة واحدة تؤدي العديد من الاغراض فهي المخصصة للنوم الجماعي و الطهي الجماعي و كل أنشطة المنزل تؤدى في نفس المساحة. و يصعب مع هذا الأمر تحقيق التعليمات الصحية و لاسيما المتعلقة بالعزل الصحي داخل المنزل الواحد أمام ضيقه.
و إذا كانت الكرامة حق دستوري لكل مغربي، فإن أزمة السكن تجد تفسيرا لها في السنوات الخوالي،و التي شهدت ضعفا كبيرا على مستوى إقرار سياسات عمومية في مجال الإسكان،و تمكين المغاربة من حق العيش الكريم في مناخ اجتماعي تتقلص فيه التفاوتات الطبقية و يشعر معه المواطن بقدر كافي من الرضا عن الذات، و عن مستواه الاجتماعي، و أيضا يساهم السكن الجيد في تقليص احتمالات بروز الظواهر المرتبطة بالاحياء الصفيحية و السكن غير اللائق ،التي تكون في الغالب سلبية على المجتمع و تكلف الدولة حجم كبير من الاعتمادات المالية لتصحيح اختلالاتها و التابعيات الناتجة عنها.
إن العزل بقدر ما هو حماية للجسد من العدوى و نقل العدوى ، بقدر ما حصر الفقراء مع واقعهم الإجتماعي المرعب و المفزع.و حقيقته التي ظهرت واضحة خلال هذه الفترة حيث التناسي و اللامبالاة تجاه هذا الواقع غير ممكن، كونه يمارس الحصار عليهم و يفرض عليهم تقبله قصرا مرغمين و يضعهم أمام مواجهته بالقدر الكافي من التأقلم و الصبر و الامتثال للقانون قانون العزل ،قانون لم يكن وليد لحظة ظروف كهذه،ولكن عن العزل القديم بين الطبقات أتحدث ،و التي تعمق تشكله مع بروز هيمنة الشركات و منطق السوق و الاستهلاكية على حساب تدخل فعل الدول و مركزيتها.
هذا العزل الذي فرق السبل بين مواطنين متساويين في جنسية البلد الواحد، ومختلفتين عن بعضهم البعض في طرائق العيش.بين من يملك ومن لا يملك بين من يقاتل من أجل البقاء على قيد الحياة و من يتخلص من اكوام الطعام في حاوية القمامة.
بين من يمتلك حمامات بجميع الانواع في منزله الواسع ومن لا يمتلك مرحاض يقضي فيه حاجته،بين من يحوز مساحات و بنايات و من يسكن الحجور و المغارات.
في هذا العزل لن يطرح الفقراء أسئلة وجودية عن المرض و الوحدة و الموت و ملامح عالم ما بعد كورونا…و لن يستغل الفقراء الوقت لممارسة الهوايات، فهوايات الفقراء قد تسقط السقف أو تهدم المنزل مع الٱسف.
و أمام الجهود الكبيرة التي تقوم بها مختلف المكونات المجتمعية،في تعبير عن التلاحم و التضامن و التٱزر المجتمي.إنه يجب أن يكون التفكير بجد في حل هذا الاشكال المتعلق بالسكن،ولا يمكن ذلك إلا إذا استطاعت الدولة جعل أقطاب الاستثمار الاقتصادي في هذا المجال خاضعة لرقابة أكثر من طرفها، مع توسيع هامش الإستفادة و وضع تسهيلات خاصة تحمي المواطنين من الفئات الفقيرة من جشع البنوك و الفوائد المفروض على القروض المخصصة للحصول على السكن.ثم إعادة صياغة تعريف جديد للمواطن الفاعل و ذلك بتحسين شروط عيشه و تقوية الايمان بالمواطنة الحقيقة، و لا يمكن بلوغ هذا الرهان إلا بتوفير متسع من الكرامة و العدالة الاجتماعية ،و التي تدخل مسألة السكن اللائق من ضمنها و تشكل أحد الدعائم الواجب توفرها.و من شأن جعل حق السكن حق للجميع القضاء تدريجيا على الصراع النفسي الغير الواضح و القائم بشكل غير مباشر بين الطبقات الاجتماعية المالكة و الغير المالكة في ظل واقع يمكن تلخصه صورة من يمتلك مساحات خاصة فخمة و بنايات أخرى للاستثمار فيها عن طريق الكراء و التهرب الضريبي من أداء الواجبات المستحقة للدولة، و بين من يمضي حياته كلها متنقلا بعائلته من مكتري لآخر و من مسكن لمسكن، ما يؤثر على استقرار الأسرة و أفرادها نفسيا و اجتماعيا.و بين من يعيش ظروف مزرية داخل “براكة” بحي صفيحي فيما يعرف بأحزمة الصفيح،و لا ننسى قاطني الجبال و القرى النائية التي مازال تعيش المعاناة الأليمة مع البنايات الطينية التي تغيب عنها شروط السلامة و تكون مهددة بالسقوط في فصول الشتاء.
إن ما بعد المرحلة الحرجة التي نعيشها تفرض على الفاعل الحكومي صياغة سياسات عمومية مواطنة في مجال الإسكان،تروم تحقيق مصلحة الفئات المعوزة و الفقيرة في هذا الشأن، وليس مصلحة شركات الاسمنت و العقار،التي تتهافت على الربح بعيدا عن أي اعتبارات إنسانية أو حقوقية للمواطنين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى